قبل أكثر من عام من موعد الانتخابات التشريعية في المغرب، تبدو الأجواء السياسية كأنها دخلت بالفعل زمن الحملات الانتخابية، التحركات الميدانية، الاجتماعات الحزبية، وتصريحات الزعماء السياسيين لم تعد تترك مجالًا للشك: سباق 2026 انطلق مبكرًا، وهذه المرة وسط حضور لافت للمنصات الرقمية التي تحولت إلى أدوات استراتيجية في استقطاب الرأي العام.
منصات مثل فيسبوك، تيك توك، يوتيوب، وإنستغرام، تويتر أصبحت خلال الأشهر الماضية فضاءً رئيسيًا لتحركات الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف الحكومي، وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، الاستقلال، والأصالة والمعاصرة. فكل حزب يحاول تعزيز صورته، استعراض منجزاته الحكومية، أو الترويج لقياداته الميدانية، في محاولة لحجز موقع متقدم في “حكومة المونديال” كما بدأ يُطلق عليها.
ومع اشتداد التنافس، لا تقتصر الحملات على الخطاب السياسي التقليدي، بل تعتمد على أدوات رقمية دقيقة: محتوى مرئي قصير، بث مباشر، منشورات ممولة، وشبكات صفحات تتفاعل مع جمهور محدد سلفًا. وقد لوحظ ارتفاع غير مسبوق في الحملات الإعلانية الرقمية الموجهة إلى الفئات الشابة والوسط القروي والطبقة المتوسطة، وهي الفئات التي يرجح أن تلعب دورًا حاسمًا في انتخابات 2026.
ما يثير الانتباه في هذه الدينامية الرقمية هو مدى تشابهها مع ما حدث مؤخرًا في الساحة الأوروبية. ففي رومانيا، على سبيل المثال، تم إلغاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بعد رصد تدخلات أجنبية وحملات رقمية منظمة على تيك توك، دفعت المحكمة الدستورية إلى إعادتها. تجربة فتحت أعين المسؤولين الأوروبيين على خطر التلاعب الرقمي وتهديد نزاهة المسار الديمقراطي.
ويرى باحث مغربي متخصص في تحليل البيانات، أن الخوارزميات اليوم قادرة على بناء نماذج دقيقة لسلوك الناخبين، وتحليل تفاعلاتهم الرقمية لتوجيه المحتوى الذي يعزز قناعات معينة دون وعي منهم، مشيرًا إلى أن “وسائل التواصل لم تعد فقط قناة للتواصل، بل أصبحت أداة لصناعة القناعات السياسية”.
في السياق المغربي، تظهر مؤشرات أولية على توظيف هذه الأساليب، من خلال استهداف مكثف لمحتوى يعيد تدوير الخطاب الحزبي بشكل يلامس قضايا الهوية، الغلاء، الهجرة، والمعيش اليومي. وتخشى فعاليات حقوقية ومدنية من أن تتحول هذه المنصات إلى “غرف صدى” تعيد إنتاج الأفكار ذاتها، مما يحد من التنوع السياسي ويشجع على الاستقطاب.
ومع تزايد التحركات الحزبية والخرجات الإعلامية المكثفة، بدأت ترتفع أصوات تطالب بتحديث الإطار القانوني المنظم للحملات الرقمية، وفرض قواعد شفافية على الإعلانات السياسية في الفضاء الإلكتروني، تجنبًا لأي تضليل أو استغلال غير مشروع لمعطيات المواطنين.
المشهد الانتخابي المغربي إذن، يتغير أمام أعيننا، لا فقط في الشوارع والاجتماعات، بل أساسًا على الشاشات وفي تطبيقات الهواتف. وبينما ما زالت الإدارة المغربية تحرص على تأكيد التزامها بالتواريخ الدستورية للاستحقاقات، يبدو أن الانتخابات بدأت فعليًا، لكنها هذه المرة من خلف الشاشات.
ظهرت المقالة سباق نحو حكومة المونديال.. قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع، هل تحسم وسائل التواصل مصير انتخابات 2026؟ أولاً على أخبار طنجة.
طنجة بوست tanjapost – أخبار طنجة للتواصل